الثلاثاء، 22 فبراير 2022

كتاب : الإشارات والتنبيهات المؤلف : أبي علي بن سينا

 الصفحة الرئيسية مكتبة القرآن مكتبة علوم القران مكتبة الحديث مكتبة العقيدة مكتبة الفقه مكتبة التاريخ مكتبة الأدب المكتبة العامة

كتاب : الإشارات والتنبيهات
المؤلف : أبي علي بن سينا

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله الذي وفقنا لافتتاح المقال بتحميده وهدانا إلى تصدير الكلام بتمجيده وألهمنا الإقرار بكلمة توحيده
وبعثنا على طلب الحق وتمهيده والصلاة على المصطفين من عبيده خصوصا على محمد وآله المخصوصين بتأييده
وبعد فكما أن أكمل المعارف وأجلها شأنا وأصدق العلوم وأحكمها تبيانا هو المعارف الحقيقية والعلوم اليقينية كذلك أشرف ما ينسب إلى الحقيقة واليقين من جملتها وأولاها بأن توقف الهمة طول العمر على قنيتها هو معرفة أعيان الموجودات المترتبة المبتدئة من موجدها ومبدئها والعلم بأسباب الكائنات المتسلسلة المنتهية إلى غايتها ومنتهاها
وذلك هو الفن الموسوم بالحكمة النظرية التي تستعد باقتنائها النفوس البشرية
وكما أن المتقدمين من الفائزين بها تفضلوا على من بعدهم بالتأسيس والتمهيد كذلك المتأخرون الخائضون فيها قضوا حق من قبلهم بالتلخيص والتجريد
وكما أن الشيخ الرئيس أبا علي الحسين بن عبد الله بن سينا شكر الله سعيه كان من المتأخرين مؤيدا بالنظر الثاقب والحدس الصائب موفقا في تهذيب الكلام وتقريب المرام معتنيا بتمهيد القواعد وتقييد الأوابد مجتهدا في تقرير الفوائد وتجريدها عن الزوائد كذلك كتاب الإشارات والتنبيهات من تصانيفه وكتبه كما وسمه هو به مشتمل على إشارات إلى مطالب هي الأمهات مشحون بتنبيهات على مباحث هي المهمات مملق بجواهر كلها كالفصوص
محتو على كلمات يجري أكثرها مجرى النصوص متضمن لبيانات معجزة في عبارات موجزة وتلويحات رائقة بكلمات شائقة قد استوقفت الهمم العالية على الاكتناه بمعانيه واستقصر الآمال الوافية دون الاطلاع على فحاويه
وقد شرحه فيمن شرحه الفاضل العلامة فخر الدين ملك المتناظرين محمد ابن عمر بن الحسين الخطيب الرازي جزاه الله خيرا
فجهد في تفسير ما خفي منه بأوضح تفسير واجتهد في تعبير ما التبس فيه بأحسن تعبير وسلك في تتبع ما قصد نحوه طريقة الاقتفاء وبلغ في التفتيش عما أودع فيه أقصى مدارج الاستقصاء إلا أنه قد بالغ في الرد على صاحبه أثناء المقال وجاوز في نقض قواعده حد الاعتدال فهو بتلك المساعي لم يزده إلا قدحا ولذلك سمى بعض الظرفاء شرحه جرحا
ومن شرط الشارحين أن يبذلوا النصرة لما قد التزموا شرحه بقدر الإمكان والاستطاعة وأن يذبوا عما قد تكفلوا إيضاحه بما يذب به صاحب تلك الصناعة ليكونوا شارحين غير ناقضين ومفسرين غير معترضين
اللهم إلا إذا عثروا على شيء لا يمكن حمله على وجه صحيح فحينئذ ينبغي أن ينبهوا عليه بتعريض أو تصريح متمسكين بذيل العدل والإنصاف متجنبين عن البغي والاعتساف فإن إلى الله الرجعى وهو أحق بأن يخشى
ولقد سألني بعض أجلة الخلان من الأحبة الخلصان وهو المجلس الرفيع رئيس الدولة وشهاب الملة قدوة الحكماء والأطباء وسيد الأكابر والفضلاء بلغه الله ما يتمناه وأحسن منقلبه ومثواه أن أقرر ما تقرر عندي مع قلة البضاعة وأودع ما قبض عليه يدي مع قصور الباع في الصناعة من معاني الكتاب المذكور ومقاصده وما يقتضي إيضاحه مما هو مبني على مبانيه وقواعده مما تعلمته من المعلمين المعاصرين والأقدمين واستفدته من الشرح الأول المذكور وغيره من الكتب المشهورة واستنبطته بنظري القاصر وفكري الفاتر
وأشير إلى أجوبة بعض ما اعترض به الفاضل الشارح مما ليس في مسائل الكتاب بقادح وأتلقى ما يتوجه منها عليها بالاعتراف مراعيا في ذلك شريطة الإنصاف وأغمض عما لا يجدي بطائل ولا يرجع إلى حاصل
غير ملتزم في جميع ذلك حكاية ألفاظه كما أوردها بل مقتصرا على ذكر المقاصد التي قصدها مخافة الإطناب المؤدي إلى الإسهاب
وفي نيتي إن شاء الله أن أتوجه بحل مشكلات الإشارات بعد أن أتممه وأرجو أن يغفر لي ربي خطيئاتي ويعذرني من يعثر على هفواتي وإني للخطايا لمقترف وبالقصور والعجز لمعترف ومن الله التوفيق وإليه انتهاء الطريق
صدر الكتاب قول الشيخ رحمه الله
بسم الله الرحمن الرحيم وبه نستعين

1 - أحمد الله على حسن توفيقه وأسأل الله هداية طريقه وإلهام الحق بتحقيقه
_________
1 - أفاد الفاضل الشارح أن هذه المعاني يمكن أن تحمل على كل واحدة من مراتب النفس الإنسانية بحسب قوتيها
النظرية
والعملية
بين حدي النقصان والكمال
أما النظرية فلأن جودة الترقي من العقل الهيولاني الذي من شأنه الاستعداد المحض باستعمال الحواس إلى العقل بالملكة الذي من شأنه الاستعداد لإدراك المعقولات الأولى أعني البديهيات لا يكون إلا بحسن توفيقه تعالى
وجوده الانتقال من العقل بالملكة إلى العقل بالفعل الذي من شأنه إدراك المعقولات الثانية أعني المكتسبة لا يتأتى إلا بهدايته تعالى إلى سواء الطرق دون مضلاتها
وحصول العقل المستفاد أعني العقود اليقينية التي هي غاية السلوك لا يكون إلا بإلهامه الحق بتحقيقه فإن جميع ما يتقدمها من المقدمات وغيرها لا يفعل في النفس إلا إعدادا ما لقبول ذلك الفيض من مفيضه
وأما العملية فلأن تهذيب الظاهر باستعمال الشرائع الحقة والنواميس الإلهية إنما يكون بحسن توفيقه تعالى
وتزكية الباطن من الملكات الردية تكون بهدايته تعالى
وتحلية السر بالصور القدسية يكون بإلهامه
وأقول السالك الطالب يرى في بدو سلوكه أن مطالبه إنما تتحصل بسعيه وبكده وبتوفيق الله تعالى إياه في ذلك وهو جعل الأسباب متوافقة في التسبب
2 - وأن يصلي على المصطفين من عباده لرسالته خصوصا على محمد وآله
أيها الحريص على تحقق الحق إني مهدت إليك في هذه الإشارات والتنبيهات أصولا وجملا من الحكمة إن أخذت الفطانة بيدك سهل عليك تفريعها وتفصيلها
_________
ثم إنه إذا أمعن في السلوك علم أنه لا يقدر على السلوك إلا بهدايته تعالى إلى الطريق السوي
وإذا قارب المنتهى ظهر له أنه ليس فيما يحاول من الكمالات إلا قابلا لما يفيض عليه من الفاعل الأول جل ذكره
فظهر أنه يرى في كل حال من الأحوال الثلاثة أن لله تعالى في ذلك تأثيرا ولنفسه تأثيرا إلا أن ما ينسبه إلى نفسه من التأثير في الحالة الأولى أكثر مما ينسبه إلى الله تعالى
وفي الحالة الثانية قريب منه
وفي الحالة الثالثة أقل منه
وإنما تختلف أراؤه بحسب استكماله قليلا قليلا
فالشيخ عبر
بالتوفيق
والهداية
والإلهام
عن غاية ما يتمناه الطالب من الله تعالى في الأحوال الثلاثة مما يراه سببا لإنجاح مرامه
ثم نبه المتعلم بما افتتح به كتابه على أنه ينبغي له إذا دخل في زمرة الطالبين أن يحمد الله تعالى على ما يتيسر له من التوفيق للخوض في الطلب والسلوك ويسأله ما يرجوه من الهداية والإلهام اليتم له بهما الوصول إلى المنتهى فائزا بمطالبه
2 - أقول الفروع لأصولها كالجزئيات لكلياتها
مثاله زيد وعمرو للإنسان
والتفصيل لجملته كالأجزاء لكلها
مثاله زحل والمشتري للمتحيرة
3 - ومبتدئ من علم المنطق ومنتقل عنه إلى علم الطبيعة وما قبله
_________
والفروع غير موجودة في الأصل بالفعل بخلاف التفصيل الموجود في الجملة بالفعل وإن لم يكن مذكورا معها بالفعل
وإخراج الفروع إلى الفعل يحتاج إلى تصرف زائد في الأصل وهو المسمى بالتفريع فلذلك قال سهل عليك تفريعها ولم يقل ظهر وبان لك فروعها
3 - أقول الابتداء بالمنطق واجب لكونه آلة في تعلم سائر العلوم
وأما الطبيعة فهي المبدأ الأول لحركة ما هي فيه أعني الجسم الطبيعي ولسكونه بالذات
والعلم المنسوب إليها هو العلم المسمى بالطبيعيات
لا العلم بالطبيعة نفسها فإنه أحد مسائل العلم المنسوب إلى ما قبلها
ومبادئ الطبيعة من المجردات إنما يكون قبلها في نفس الأمر قبلية بالذات والعلية والشرف
ويكون بعدها بالنسبة إلينا بعدية بالوضع فإنا ندرك المحسوسات بحواسنا أولا ثم المعقولات بعقولنا ثانيا ولذلك قدم المعلم الأول الطبيعيات على العلم بمباديها فالعلم بمبادئ الطبيعة وبما يجري مجراها من الأمور العامة قد يسمى علم ما قبل الطبيعة لأول الاعتبارين وعلم ما بعدها لثانيهما وهو الفلسفة الأولى وله تقدم آخر باعتبار آخر على علم الطبيعة وغيره من العلوم
وذلك لكونه مشتملا على بيان أكثر مباديها الموضوعة فيها والعلم بالمبادئ أقدم من العلم بما له المبادئ
وإنما عني الشيخ بقوله وما قبله
هذا التقدم لا الذي سبق لأن الض

===================

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

كتاب : الفتن لنعيم بن حماد المروزي

  مكتبة العلوم الشاملة مكتبة العلوم الشاملة https://sluntt.blogspot.com/ الاثنين، 21 فبراير 2022 كتاب الفتن لنعيم بن حماد ال...